فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وسبق أنْ قُلْنا: إن اللغة ظاهرة اجتماعية يكتسبها الإنسان من البيئة المحيطة به، وحين نسلسلها لابد أنْ نصلَ بها إلى أبينا آدم عليه السلام، وقلنا: إن الله تعالى هو الذي علَّمه اللغة حين علَّمه الأسماء كلها، ثم يتخذ آدم وذريته من بعده هذه الأسماء ليتفاهموا بها، وليضيفوا إليها أسماء جديدة.
لذلك نرى أولادنا مثلًا حينما نريد أنْ نُعلّمهم ونُرقّيهم نُعلّمهم أولًا أسماء الأشياء قبل أنْ يتعلموا الأفعال؛ لأن الاسم أظهر، أَلاَ ترى أن الفعْل والحدث يدل عليه باسم، فكلمة فعْل هي ذاتها اسم.
لكن، كيف ينشأ اختلاف اللغات؟ لو تأملنا مثلًا اللغة العربية نجدها لغة واحدةً، لكن بيئاتها متعددة: هذا مصري، وهذا سوداني، وهذا سوري، مغربي، عراقي. الخ نشترك جميعًا في لغة واحدة، لكن لكل بيئة لهجة خاصة قد لا تُفهَم في البيئة الأخرى، أما إذا تحدَّثنا جميعًا باللغة العربية لغة القرآن تفاهم الجميع بها.
أما اختلاف اللغات فينشأ عن انعزال البيئات بعضها عن بعض، هذا الانعزال يؤدي إلى وجود لغة جديدة، فمثلًا الإنجليزية والفرنسية والألمانية و. إلخ ترجع جميعها إلى أصل واحد هو اللغة اللاتينية، فلما انعزلتْ البيئات أرادتْ كل منها أن يكون لها استقلالية ذاتية بلغة خاصة بها مستقلة بألفاظها وقواعدها.
أو {واختلاف أَلْسنَتكُمْ} [الروم: 22] يعني: اختلاف ما ينشأ عن اللسان وغيره من آلات الكلام من أصوات مختلفة، كما نرى الآن في آخر صيحات علم الأصوات أنْ يجدوا للصوت بصمة تختلف من شخص لآخر كبصمة الأصابع، بل بصمة الصوت أوضح دلالة من بصمة اليد.
ورأينا لذلك خزائن تُضْبط على بصمة صوت صاحبها، فساعة يُصدر لها صوتًا تفتح له.
ومن العجيب والمدهش في مجال الصوت أن المصوّتات كثيرة منها: الجماد كحفيف الشجر وخرير الماء، ومنها: الحيوان، نقول: نقيق الضفادع وصهيل الخيل، ونهيق الحمار، وثُغَاء الشاة، ورُغَاء الإبل. الخ لكن بالله أسألك: لو سمعت صوت حمار ينهق، أتستطيع أن تقول هذا حمار فلان؟ لا، لأن كل الأصوات من كُلّ الأجناس خلا الإنسان صوتها واحد لا يميزه شيء.
أما في الإنسان، فلكُلٍّ منّا صوته المميز في نبرته وحدّته واستعلائه أو استفاله، أو في رقته أو في تضخيمه. الخ. فلماذا إذن تميَّز صوت الإنسان بهذه الميزة عن باقي الأصوات؟
قالوا: لأن الجماد والحيوان ليس لهما مسئوليات ينبغي أنْ تُضبط وأنْ تُحدَّد كما للإنسان، وإلا كيف نُميز المجرم حين يرتكب جريمته ونحن لا نعرف اسمه، ولا نعرف شيئًا من أوصافه؟ وحتى لو عرفنا أوصافه فإنها لا تدلُّنا عليه دلالة قاطعة تُحدّد المسئولية ويترتب عليها الجزاء.
وقال سبحانه بعدها {وَأَلْوَانكُمْ} [الروم: 22] فاختلاف الألسنة والألوان ليحدث هذا التميُّز بين الناس، ولأن الإنسان هو المسئول خلق الله فيه اختلافَ الألسنة والألوان؛ لنستدل عليه بشكله: بطوله أو قصَره أو ملابسة. إلخ.
وفي ذلك ما يضبط سلوك الإنسان ويُقوّمه حين يعلم أنه لن يفلت بفعْلته، ولابد أنْ يدل عليه شيء من هذه المميزات.
لذلك نرى رجال البحث الجنائي ينظمون خطة للبحث عن المجرم قد تطول، لماذا؟ لأنهم يريدون أنْ يُضيّقوا دائرة البحث فيُخرجون منها مَنْ لا تنطبق عليه مواصفاتهم، وما يزالون يُضيّقون الدائرة حتى يصلوا للجاني.
والحق- تبارك وتعالى- يقول: {يا أيها الناس إنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئلَ لتعارفوا} [الحجرات: 13].
فالتميُّز والتعارف أمر ضروري لاستقامة حركة الحياة، ألاَ ترى الرجل يضع لكل ولد من أولاده اسمًا يُميّزه، فإن عشق اسم محمد مثلًا، وأحب أن يسمى كل أولاده محمدًا لابد أن يميزه، فهذا محمد الكبير، وهذا محمد الصغير، وهذا الأوسط. إلخ.
إذن: لابد أن يتميز الخَلْق لنستطيع تحديد المسئوليات.
ثم يقول سبحانه: {لّلْعَالَمينَ} [الروم: 22] أي: الذين يبحثون في الأشياء، ولا يقفون عند ظواهرها، إنما يتغلغلون في بطونها، ويَسْبرون أغوارها للوصول إلى حقيقتها.
لذلك يلوم علينا ربنا عز وجل: {وَكَأَيّن مّن آيَةٍ في السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرضُونَ} [يوسف: 105] فلا يليق بأصحاب العقول أن يغفلوا عن هذه الآيات، إنما يتأملونها ليستنبطوا منها ما ينفعهم في مستقبل حياتهم، كما نرى في المخترعات والاكتشافات الحديثة التي خدمتْ البشرية، كالذي اخترع عصر البخار، والذي اخترع العجلة، والذي اكتشف الكهرباء والجاذبية والبنسلين. الخ، إذن: نمر على آيات الله في الكون بيقظة، وكل العلوم التجريبية نتيجة لهذه اليقظة.
والعَالمون: جمع عالم، وكانت تطلق في الماضي على مَنْ يعرف الحلال والحرام، لكن هي أوسع من ذلك، فالعالم: كل مَنْ يعلم قضية كونية أو شرعية، ويُسمَّى هذا عالم بالكونيات وهذا عالم بالشرع، وإنْ شئتَ فاقرأ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ منَ السماء مَاءً فَأَخْرَجْنَا به ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلفًا أَلْوَانُهَا وَمنَ الجبال جُدَدٌ بيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابيبُ سُودٌ وَمنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلكَ} [فاطر: 27-28].
فذكر سبحانه النبات، ثم الجماد، ثم الناس، ثم الحيوان.
ثم يقول سبحانه: {إنَّمَا يَخْشَى الله منْ عبَاده العلماء} [فاطر: 28] على إطلاقها فلم يُحدّد أي علماء: علماء النبات، أو الحيوان، أو الجمادات، أو علماء الشرع، إذن: العَالم كل مَنْ يعلم حقيقة في الكون وجودية أو شرعية من عند الله.
لكن، لماذا أطلقوا العالم على العالم بالشرع خاصة؟ قالوا: لأنه أول العلوم المفيدة التي عرفوها؛ لذلك رأينا من آداب العلم في الإسلام ألاَّ يُدخل علماء الشرع أنفسهم في الكونيات، وألاَّ يُدخل علماء الكونيات أنفسهم في علوم الشرع.
والذي أحدث الاضطراب بين هذه التخصصات أن يقول مثلًا علماء الكونيات بأن الأرض تدور حول الشمس، فيقوم من علماء الدين مَنْ يقول: هذا مخالف للدين- هكذا عن غير دراسة، سبحان الله، لماذا تُقحم نفسك فيما لا تعلم؟ وماذا يضيرك كعالم بالشرع أن تكون الأرض كرة تدور أو لا تدور؟ ما الحرام الذي زاد بدوران الأرض وما الحلال الذي انتقص؟ كذلك الحال لما صعد الإنسان إلى القمر، اعترض على ذلك بعض رجال الدين.
كذلك نسمع مَنْ لا علْم له بالشرع يعترض على بعض مسائل الشرع يقول: هذه لا يقبلها العقل. إذن: آفة العلم أن يقحم العالم نفسه فيما لا يعلم، ولو التزم كلٌّ بما يعلم لارتاح الجميع، وتركت كل ساحة لأهلها.
وعجيب أن يستشهد رجال الدين على عدم كروية الأرض بقوله تعالى: {والأرض مَدَدْنَاهَا} [الحجر: 19] ولو تأملوا معنى {مَدَدْنَاهَا} [الحجر: 19] لما اعترضوا؛ لأن معنى مددناها يعني: كلما سرْتُ في الأرض وجدتها ممتدة لا تنتهي حتى تعود إلى النقطة التي بدأت منها، وهذا يعني أنها كرة لا نهاية لها، ولو كانت مُسطحة أو مُثلثة مثلًا لكان لها نهاية.
إذن: نقول للعلماء عمومًا: لا تُدخلوا أنوفكم فيما لا علْم لكم به، ودَعُوا المجال لأصحابه، عملًا بقوله تعالى: {قَدْ عَلمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} [البقرة: 60]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَمنْ آيَاته أَنْ خَلَقَ لَكُمْ منْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا}.
رَدَّ المثْلَ إلى المثْل، ورَبَطَ الشكلَ بالشكل، وجعل سكونَ البعض إلى البعض، ولكنَّ ذلك للأشباح والصُوَر، أمَّا الأرواح فصُحْبَتُها للأشباح كرهٌ لا طوعٌ. وأمَّا الأسرار فمُعْتَقَةٌ لا تساكن الأطلال ولا تتدنس بالأعلال.
{وَمنْ آيَاته خَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتلَافُ أَلْسنَتكُمْ وَأَلْوَانكُمْ إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ للْعَالمينَ (22)}.
خَلَقَ السماوات في علوّها والأرضَ في دنوّها؛ هذه بنجومها وكواكبها، وهذه بأقطارها ومناكبها. وهذه بشمسها وقمرها، وهذه بمائها ومَدَرها.
ومن آياته اختلافُ لغات أهل الأرض، واختلافُ تسبيحات الملائكة الذين هم سكان السماء. وإنَّ اختصاصَ كلّ شيء منها بُحكم- شاهدُ عَدلٍ، ودليلُ صدُقٍ على أنها تناجى أفكار المتيقظين، وتنادي على على أنفسها. أنها جميعها من تقدير العزيز العليم. اهـ.

.تفسير الآيات (23- 25):

قوله تعالى: {وَمنْ آيَاته مَنَامُكُمْ باللَّيْل وَالنَّهَار وَابْتغَاؤُكُمْ منْ فَضْله إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ لقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمنْ آيَاته يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزّلُ منَ السَّمَاء مَاءً فَيُحْيي به الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ لقَوْمٍ يَعْقلُونَ (24) وَمنْ آيَاته أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بأَمْره ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً منَ الْأَرْض إذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر المقلة والمظلة ومن فيهما، وبعض صفاتهم اللازمة، ذكر ما ينشأ عن كل من ذلك من الصفات المفارقة فقال: {ومن آياته} أي على ذلك وغيره من أنواع القدرة والعلم {منامكم} أي نومكم ومكانه وزمانه الذي يغلبكم بحيث لا تستطيعون له دفعًا.
ولما كان الليل محل السكن والراحة والنوم، ذكر ما جعل من نوم النهار أيضًا لأن ذلك أدل على الفعل بالاختبار فقال: {بالّيل والنهار} أي الناشئين عن السماوات والأرض باختلاف الحركات التي تنشأ إلا عن فاعل مختار وانقطاعكم بالنوم عن معاشكم وكل ما يهمكم وقيامكم بعد منامكم أمرًا قهريًا لا تقدرون على الانفكاك عن واحد منهما أصلًا {وابتغاؤكم} أي طلبكم بالجد والاجتهاد {من فضله} بالمعاش فيهما، فالآية من الاحتباك: دل ذكر النوم على القيام منه، ودل الابتغاء على الانقطاع عنه، حذف نهاية الأول وبداية الثاني {إن في ذلك} أي الأمر العظيم العالي الرتبة من إيجاد النوم بعد النشاط، والنشاط بعد النوم الذي هو الموت الأصغر، وإيجاد كل من الملوين بعد إعدامهما، والجد في الابتغاء مع المفاوتة في التحصيل {لآيات} أي عديدة على القدرة والحكمة لاسيما البعث.
ولما كانت هذه الآيات في دلالتها على ما تشير إليه من البعث والفعل بالاختيار دقيقة لا يستقل العقل بها دون توقيف من الدعاة لأنه قد يسند النوم والابتغاء إلى العباد والا يتجاوز عن ذلك إلى الخالق إلا الأفراد من خلص العباد، وكان النائم يقوم صافي الذهن فارغ السر نشيط البدن.
قال: {لقوم يسمعون} أي من الدعاة النصحاء سماع من انتبه من نومه فجسمه مستريح نشيط وقلبه فارغ عن مكدر للنصح مانع من قبوله، أو المعنى: لقوم هم أهل للسمع بأن يكونوا قد تنبهوا من رقادهم، فرجعوا عن عنادهم، إشارة إلى أن من لم يتأمل في هذه الآيات فهو نائم لا مستيقظ.
فهو غير متأهل لأن يسمع.
ولما ختم بالسمع آية جمعت آيات الأنفس والآفاق لكونها نشأت من أحوال البشر والخافقين، افتتح بالرؤية آية أخرى جامعة لهما لكونها ناشئة عنهما مع كونها أدل على المقصود جامعة بين الترغيب والترهيب فقال: {ومن آياته} ولما كان لمعان البرق جديرًا بالتماع البصر عند أول رؤية، وكان يتجدد في حين دون حين، عبر بالمضارع حاذفًا الدال على إرادة المصدر للدلالة على التجدد المعجب منه فقال: {يريكم البرق} أي على هيئات وكيفيات طالما شاهدتموها تارة تأتي يما يضر وتارة بما يسر، ولذلك قال معبرًا بغاية الإخافة والإطماع لأن الغايات هي المقصودة بالذات: {خوفًا} أي للإخافة من الصواعق المحرقة {وطمعًا} أي وللاطماع في المياه الغدقة، وعبر بالطمع لعدم الأسباب الموصلة إليه.
ولما كان البرق غالبًا من المبشرات بالمطر، وكان ما ينشأ عن الماء أدل شيء على البعث، أتبعه شرح ما أشار إليه به من الطمع فقال: {وينزّل} ولما كان إمساك الماء في جهة العلو في غاية الغرابة، قال محققًا للمراد بالإنزال من الموضع الذي لا يمكن لأحد غيره دعواه {من السماء ماء}.
ولما جعل سبحانه ذلك سببًا لتعقب الحياة قال: {فيحيي به} أي الماء النازل من السماء خاصة لأن أكثر الأرض لا تسقى بغيره {الأرض} أي بالنبات الذي هو لها كالروح لجسد الإنسان، ولما كانت الأرض ليس لها من ذاتها في الإنبات إلا العدم، وكان إحياؤها به متكررًا، فكان كأنه دائم، وكان ذلك أنسب لمقصود السورة حذف الجار قائلًا: {بعد موتها} أي بيبسه وتهشمه {إن في ذلك} أي الأمر العظيم العالي القدر {لآيات} لاسيما على القدرة على البعث.
ولما كان ذلك ظاهرًا كونه من الله الفاعل بالاختيار لوقوعه في سحاب دون سحاب وفي وقت دون آخر وفي بلد دون آخر، وعلى هيئات من القوة والضعف والبرد والحر وغير ذلك من الأمر، وكان من الوضوح في الدلالة على البعث بمكان لا يخفى على عاقل قال: {لقوم يعقلون}.
ولما كان جميع ما مضى من الآيات المرئيات ناشئًا عن هذين الخلقين العظيمين المحيطين بمن أنزلت عليهم هذه الآيات المسموعات بيانًا لمن أشكل عليه أمر الآيات المرئيات، ذكر أمرًا جامعًا للكل وهو من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى أكثر من العقل المختوم به ما قبل فقال: {ومن آياته} أي على تمام القدرة وكمال الحكمة.
ولما كانت هذه الآية في الثبات لا في التجدد، أتى بالحرف الدال على المصرف ليسلخ الفعل عن الاستقبال، وعبر بالمضارع لأنه لابد من إخراجهما عن هذا الوضع فقال: {أن تقوم} أي تبقى على ما تشاهدون من الأمر العظيم بلا عمد {السماء} أفرد لأن السماء الأولى لا تقبل النزاع لأنها مشاهدة مع صلاحية اللفظ للكل لأنه جنس {والأرض} على ما لهما من الجسامة والثقل المقتضي للهبوط {بأمره} لا بشيء سواه.
ولما لم يبق في كمال علمه وتمام قدرته شبهة، قال معبرًا بأداة التراخي لتدل- مع دلالتها على ما هي له- على العظمة، فقال دالًا على أن قدرته على الأشياء كلها مع تباعدها على حد سواء، وأنه لا فرق عنده في شمول أمره بين قيام الأحياء وقيام الأرض والسماء {ثم إذا دعاكم} وأشار إلى هوان ذلك الأمر عنده بقوله: {دعوة من الأرض} على بعد ما بينها وبين السماء فضلًا عن العرش، وأكد ذلك بكونه مثل لمح البصر أو هو أقرب فقال معبرًا بأداة الفجاءة: {إذا أنتم تخرجون} أي يتجدد لكم هذا الوصف بعد اضمحلالكم بالموت والبلى، ويتكرر باعتبار آحادكم من غير تلبث ولا مهلة أصلًا، إلا أن يترتب على الأفضل فالأفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض» كما دعاكم منها أولًا إذا خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون، وأعرى هذه مما ختم به الآيات السالفة تنبيهًا على أنها مثل الأولى قد انتهت في الظهور، ولاسيما بانضمامها إلى الأولى التي هي أعظم دال عليها إلى حد هو أضوأ من النور، كما تأتي الإشارة إليه في آية: {وهو أهون عليه}. اهـ.